د. سلطان عدوان

ساهمت الثورة التكنولوجية في تغيير العديد من المفاهيم المتعلقة بالإعلام والاتصال، حيث بات الاتصال معروفاً بأنه نقل وتبادل المعلومات والأفكار والاتجاهات والميول والعواطف بين الأفراد والجماعات عبر بث الرسائل المتنوعة واستقبالها من خلال النظم الرقمية ووسائلها المختلفة الأكثر تنوعاً لتحقيق أهداف التأثير والتفاعل وتعديل الاتجاهات والسلوك.

وتواجه عملية الاتصال العديد من التحديات التي أثرت بشكل ملحوظ على جودتها وفاعليتها، من بينها التشويش الذي يشير إلى الاضطرابات الطبيعية والعرضية والمشاكل التي تعيق وصول الرسالة وتدفقها إلى المتلقين.

وينقسم التشويش إلى ميكانيكي يتعلق بالإشكاليات الفنية، ودلالي يتعلق بمضمون الرسالة وصياغتها، وكلاهما يقود إلى إضعاف الرسالة ويقلل من قيمتها، ويحول دون اكتمال العملية الاتصالية.

وهناك تقسيمات تتعلق بالتشويش النفسي الذي يتضمن الأفكار المكونة مسبقاً عن الآخرين والاستعداد لاستقبال المعلومات منهم، والتشويش العضوي مثل ضعف السمع والبصر والقدرة على التحرك، وهذه تتعلق بأنواع معينة من العملية الاتصالية.

عوامل تشويش الاتصال

من أبرز أسباب التشويش الإشكاليات الدلالية والمؤثرات الذاتية التي تؤثر على عملية الاتصال بين المرسل والمستقبل أو المتلقي، عندما يفشل الأخير في فك شيفرة الرموز التي يستقبلها بشكل متسارع، وإدراك المضمون المقدم بسبب التجاهل أو سوء الفهم أو عدم المبالاة في كثير من المواقف، الى جانب الاستعداد النفسي المتمثل في فكرة المتلقي المسبقة عن القائم بالاتصال.

ومع الاستخدام المتزايد لوسائل الإعلام الجديدة تزداد المعلومات، وقد تصبح بعضها مشوش وغير مهني ومعقد ولا يتمتع بالمصداقية مما يصعب على المتلقي فهمها وتحليلها بالشكل المطلوب، لا سيما عندما تعد بشكل غير احترافي.

إلى جانب معيقات خاصة بالمرسل أو القائم بالاتصال تتعلق بالمعرفة بالموضوع والمصداقية والثقة، والقدرة على الإقناع والتأثير، فضلاً عن خلل الخبرة المشتركة ووجود الفروق الفردية مع المتلقين، وعدم دراسة خصائص الجماهير المستهدفة وأذواقها ومتطلباتها وسماتها الخاصة بالمستويات الاجتماعية والثقافية والعلمية وطبيعة صفاتهم ومشاكلهم العضوية إن أمكن.

ويبدو ذلك واضحاً عندما لا تتوفر استعدادات القائم بالاتصال لنقل الرسالة، ويعجز عن اختيار المضمون المناسب أو الوسيلة المفضلة لمخاطبة الجماهير مما يؤدي الى فقدان المعلومات الهامة وقلة تأثيرها بشكل مباشر على المتلقين.

وهناك الإشكاليات التقنية والأعطال الفنية أو المادية وتداخل الموجات والعوامل الجوية والميكانيكية، والبطء في خدمة الانترنت التي تؤدي إلى خلل طارئ في الوسائل المستخدمة مما يؤثر على سريان الرسالة وسلامتها، وانقطاع الاتصال بين المرسل والمستقبل، ويتسبب في سوء استقبال الرموز والمعلومات، وبالتالي عدم فهم الرسالة ومضمونها واستيعابها في الوقت المحدد.

آثار التشويش على عملية الاتصال:

يؤدي التشويش في العملية الاتصالية إلى آثار سلبية تتعلق بتعطلها وانقطاعها، وسوء فهم الرسالة ومضمونها واستيعابها من قبل المتلقين، كما تؤثر جودة الاتصال والأخطاء في البيانات وتقديمها بشكل كبير على دقة المعلومات وفقدانها في ظل الثورة التكنولوجية التي تتطلب سرعة الاستجابة والتفاعل والحصول على ردود الفعل الفورية.

كما يؤثر التشويش على الحالة النفسية للمتلقين ويزيد من القلق والتوتر لديهم، ويتسبب في فقدان الثقة في الوسائل الإعلامية المتعددة وما تقدمه من مضامين، وبالتالي يحد من قدرة الرسالة المقدمة على التأثير الذي يعتبر أبرز أهداف الاتصال، ويقودهم لمتابعة منصات قد تبدو أقل فاعلية ومصداقية.

كما يحد التشويش من فاعلية الرسالة وتحقيق الهدف العام من العملية الاتصالية في ظل تدفق المعلومات، وعليه يصعب التمييز بين الصحيحة والكاذبة والملونة منها.

تقليل التشويش في عملية الاتصال:

من الضروري أن يتم اختيار التوقيت والمكان المناسبين للبث وطرق العرض، وأن يحسن الأفراد والمجتمعات من القدرة على التمييز بين المعلومات والأخبار الصحيحة والكاذبة والمشوشة من خلال المتابعة المستمرة التي تضمن تصفية تلك المعلومات، واستخدام المنصات الرقمية المتعددة وتوظيفها وفق المعرفة والوعي الذي يضمن الحد من التشويش.

ويفضل تحديد الرسائل والوسائل المناسبة بدقة للوصول الى الجماهير وإتاحة فرص التفاعل واستخدام لغة شفافة بسيطة وواضحة وصادقة ومعبرة وجذابة بما يتوافق مع خصائص وسمات المتلقين، لأن مميزات المضمون وتنوعه يسهم في تقليل التشويش ويقلل من الغموض والوصول للمعلومات بسهولة وسلاسة.

والخلاصة أن التحول الرقمي منح الاتصال مزايا متعددة ومتنوعة أثرت بشكل لافت على تطوير أداء القائم بالاتصال واستجابة المرسل ومضمون الرسالة وفاعلية الوسائل المختلفة بالتزامن مع توفير بيئة اتصال مناسبة تحقق التكامل بين تلك المكونات.

وقد شكلت التحديات الكبيرة تأثيراً على كفاءة عملية الاتصال وجودتها، من بينها التشويش الذي يعتبر إحدى المعيقات التي تزايدت مع الثورة التكنولوجية المتسارعة، وعليه لابد من إيجاد الحلول والاهتمام بالتعامل مع تلك المعيقات لضمان تحقيق الاتصال الفعال والسليم والمثمر والمؤثر.

** دكتور: سلطان عدوان، باحث وكاتب صحفي فلسطيني.