
قاعدة باريس سان جيرمان الجماهيرية تتسع رغم خسارة المونديال
الرأي العام: المفهوم وأدوات التغيير في عصر التحول الرقمي
الأهلي المصري ووسام أبو علي: أزمة مستمرة ومتصاعدة
مقترحات جديدة لتغيير قوانين كرة القدم
الملحق الآسيوي لكأس العالم 2026: مواجهات عربية حاسمة تحدد المتأهلين
الأنصار بطلاً للدوري اللبناني للمرة الـ15 في تاريخه




دكتور سلطان عدوان:
يتفق الخبراء على أن الرأي العام هو التعبير عن الآراء والمواقف والاتجاهات والمزاج الجماعي لأغلبية الأفراد داخل المجتمعات تجاه قضية مهمة.
وغالباً ما يتسم هذا الرأي بالتعقيد والتغير المستمر، والمرونة والكمية والقابلية للقياس والتجانس والانتشار، إضافة إلى قدرته الواضحة على الحشد والتأثير في صنع القرار وتوجيه السلوك العام.
يمكن تقسيم الرأي العام بناءً على عدة معايير متداخلة، أبرزها المتعلق بالتكوين والانتشار، فهناك الرأي العام القائد الذي يمثله النخب والمفكرون وقادة الرأي، ثم يأتي الرأي العام المثقف الذي يمثل الطبقة المثقفة المتابعة للقضايا، والرأي العام المنساق الذي يمثل غالبية المجتمع التي تتأثر بالنخب ووسائل الإعلام.
علاوة على ذلك، يوجد معيار الثبات والاستقرار الذي يقودنا إلى الرأي العام المستقر الذي يتمتع بالثبات ويتعلق بقضايا اجتماعية وثقافية، في المقابل، نجد الرأي العام المتقلب الذي يتغير وفق الأحداث الطارئة وتطوراتها المؤقتة والعابرة، وهناك أيضاً الرأي العام المتوقع أو الكامن الذي لم يظهر للعلن بعد، إضافة إلى الرأي العام الصريح الذي يعبر عنه بصراحة وعلانية.
ومن حيث النطاق الجغرافي، ينقسم الرأي العام إلى الرأي العام المحلي، والإقليمي، والدولي، وكل منها يتعلق بقضايا تحددها طبيعة المكان المحدد.
بالإضافة إلى هذه التقسيمات، توجد أنواع أخرى تعتمد على مستوى النشاط؛ فينطلق منها الرأي العام الإيجابي الذي يعبر عن الشريحة المهتمة بالقضايا المختلفة، في حين يكتفي الرأي العام السلبي بتلقي المعلومات والانسياق وراء الآراء السائدة.
كما يصنف الرأي العام حسب جماهيريته كرأي الأغلبية، والأقلية، والرأي الساحق، ويصنف أيضاً حسب طبيعة الموضوع، كالرأي العام الفئوي الذي يسود وسط فئة معينة أو طائفة، والرأي العام الكلي المتعلق بالمسائل العامة.
عوامل مؤثرة في تشكيل الرأي العام
يتأثر الرأي العام بمجموعة من العوامل المتداخلة، وعلى رأسها وسائل الإعلام التقليدية والرقمية التي تلعب دوراً محورياً في سرعة انتشار المعلومات وتأطير القضايا.
وأتاحت التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي ظهور المؤثرين بشكل غير مسبوق، كما تميزت بالسرعة الفائقة في انتشار الأخبار وتعزيز التعبئة الجماهيرية السريعة.
وتلعب المستويات التعليمية، والخلفيات النفسية والثقافية، والبيئة الاجتماعية دوراً كبيراً في تحليل القضايا وتكوين الآراء من خلال التفاعلات اليومية وتبادل الأفكار.
وهنا، لا يمكننا إغفال تأثير القيادات السياسية والدينية في هذا الجانب، وكذلك أهمية الأوضاع الاقتصادية، والظروف المعيشية، ومستوى الخدمات المقدمة للمواطنين.
إلى جانب ذلك، تؤثر الشائعات والأزمات والكوارث والحروب والأحداث الكبرى على الرأي العام بشكل جذري وسريع، فضلاً عن العوامل المتعلقة بالدعاية والإعلان التي تهدف بشكل مباشر إلى التأثير على الرأي العام وتوجيه الأفراد لتبني أفكار أو معتقدات أو حتى منتجات جديدة.
التحول الرقمي والرأي العام
في عصر التحول الرقمي، أصبحت آليات تشكيل وتغيير الرأي العام أكثر ديناميكية وسرعة، وهذا يتطلب تحليلاً دقيقاً، واتصالاً استراتيجياً فعالاً، والتزاماً راسخاً بالشفافية والمصداقية.
وأحدث هذا التحول ثورة حقيقية في طبيعة الرأي العام وطرق تشكيله وتغييره، وذلك من خلال الاتصال الموجه، وتحليل البيانات الضخمة، وتحديد الجماهير المستهدفة بدقة، وقياس فاعلية الحملات الإعلامية.
وأسهمت التطورات التكنولوجية المتسارعة التواصل المباشر والفوري مع الجماهير والجهات الفاعلة بهدف مراقبة الرأي العام عن كثب، وبناء العلاقات، وضخ المعلومات وتصحيحها بفعالية.
وبالتالي، توفر هذه التطورات فرصاً أكبر للحوار، وتوضح المواقف بسرعة، والاستجابة الفورية للأزمات أو التغيرات المفاجئة في المزاج العام.
ومع ذلك، لا بد من الإشارة إلى التحديات الجوهرية المتمثلة في السيطرة والمصداقية، وصعوبة التمييز بين الصحيح والمضلل، وتفاقم الانقسامات المجتمعية بسبب الكم الهائل والمتدفق من المعلومات.
أدوات التغيير
لقد تطورت الأدوات الإعلامية لتغيير الرأي العام بشكل كبير، لتصبح أكثر سرعة ودقة وشمولية.
من أبرز هذه الأدوات نجد الأدوات التقليدية مثل الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية، والأفلام الوثائقية، والإعلانات التجارية، والفعاليات الجماهيرية، والمؤتمرات الصحفية.
وجميعها تلعب دوراً كبيراً في تسليط الضوء على القضايا المهمة، وتغيير القناعات، وتعديل السلوك، وحشد الدعم، وتوضيح المواقف.
أما الأدوات الرقمية فتتمثل في منصات التواصل الاجتماعي، والمنتديات، والمدونات التخصصية التي تتيح تبادل الآراء وتعزيز النقاش المثمر، كما تشمل هذه الأدوات المواقع الإخبارية والبودكاست وقدرتها الهائلة على الوصول للجماهير بسرعة فائقة وغير مسبوقة.
وهناك المؤثرون الذين يمتلكون قواعد جماهيرية كبيرة وتأثيراً واسعاً، إضافة إلى الهاشتاغات والحملات الرقمية التي تستهدف تجميع الأصوات حول قضية معينة وتكثيف الجهود للتأثير على الرأي العام بفعالية.
كذلك، يعد البث المباشر والمحتوى المرئي التفاعلي والرسوم البيانية والتفاعلية من الأدوات القوية التي تقدم تجربة حية، وتبسط المعلومات المعقدة، وتقدمها في قوالب جذابة ومؤثرة.
ويمكن توظيف تقنيات حديثة مثل الواقع الافتراضي والواقع المعزز، والذكاء الاصطناعي للاستهداف الموجه لجماهير محددة بدقة، ورصد الرأي العام وتحليل الكميات الهائلة من البيانات، مما يزيد بشكل كبير من فعالية حملات التغيير المخطط لها.
وتعتمد فعالية هذه الأدوات بشكل كبير على استراتيجيات استخدامها، مثل أساليب التكرار وبناء السرد المقنع، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، وتصحيح الشائعات والأخبار المضللة التي تؤثر سلباً على الرأي العام.
وتشمل هذه الاستراتيجيات الاستمالات العاطفية التي تستهدف المشاعر الإنسانية، والعقلانية التي تقدم الحجج والبراهين والبيانات الدامغة، بالإضافة إلى الأهمية القصوى للشفافية والمصداقية والتحفيز.
أما أسلوب التأطير، فيعتمد على اختيار جوانب معينة وتسليط الضوء عليها بطرق تؤثر على فهم الجماهير، وذلك بهدف ترسيخ المعلومات في أذهانهم وتقديم القضايا بطرق جذابة من زوايا مؤثرة تلامس اهتماماتهم.
ومن الضروري أيضاً تعزيز الثقة والمصداقية لدى الجمهور وتفعيل الحملات الإعلامية التي تتبنى قنوات متعددة لتعزيز الرسائل وتشكيل التصورات الإيجابية للقضايا المختلفة، ولا ننسى ضرورة مشاركة الجماهير الفاعلة في النقاش وصنع القرار، مما يعزز بشكل مباشر قبول القرارات الجديدة لديهم.
قياس الرأي العام
في العصر الرقمي، تطورت عملية قياس الرأي العام المنهجية بشكل كبير لتشمل أدوات ومنهجيات حديثة ومتطورة، حيث تمر هذه العملية بعدة مراحل أساسية: تحديد الهدف بدقة، وتحديد المجتمع المستهدف بوضوح، واختيار العينة المناسبة، ثم تصميم أداة القياس الفعالة، وجمع البيانات الميدانية، يليها تحليلها بشكل معمق، وأخيراً إعداد التقرير النهائي الشامل.
قياس الرأي العام عملية ضرورية وحيوية لفهم توجهات الجمهور ومواقفهم المتغيرة، حيث تتنوع الأدوات والطرق المستخدمة في هذا المجال، ما بين أساليب تقليدية راسخة وأخرى حديثة ومتطورة باستمرار.
وهناك العديد من الطرق المستخدمة لقياس الرأي العام، منها التقليدية التي تشمل الاستفتاءات، واستطلاعات الرأي الشاملة، والاستبيانات المنظمة، والمقابلات الشخصية والهاتفية، والملاحظة المباشرة، وتحليل المضمون.
أما الطرق الحديثة فتتمثل في تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل وسائل التواصل الاجتماعي، ومراقبة التفاعل والتعليقات والمشاركة الجماهيرية، إضافة إلى الاستطلاعات الرقمية.
وتساعد هذه الطرق الحديثة بشكل كبير في تحليل القضايا التي تكتسب زخماً كبيراً، وتحلل سلوك الجماهير، والنصوص المستخدمة ونبرتها (سواء كانت إيجابية أو سلبية أو محايدة)، وتتنبأ باتجاهات الرأي العام المستقبلية بدقة متزايدة.
لقد أصبحت الأدوات التكنولوجية ضرورية لفهم المشهد المتغير والمعقد للرأي العام، ولكنها تتطلب أيضاً وعياً عميقاً بالتحديات المتعلقة بالمعايير الأخلاقية والتمثيل النسبي، وخطر التلاعب والخداع والمصداقية، والقضايا الأخلاقية، وظهور الفقاعات المعلوماتية، والاستقطاب المجتمعي، وانتهاك الخصوصية، وكل ذلك ضروري لضمان دقة وفاعلية القياس والنتائج المستخلصة منه.
![]() |